26-تموز-2017

 يكرمون (راوديد) الحسينيات ويهملون العلماء واصحاب الكفاءات

 

بغداد ـ العباسية نيوز

عندما توافق حكومة حيدر العبادي على اصدار طابع بريدي تذكاري باللغتين العربية والانكليزية، يخلد قارئا حسينيا انتقل الى جوار ربه قبل عقد من السنين اسمه احمد الوائلي، فان ذلك يعني ان المنهج الطائفي قد تكرس في العراق واصبح حقيقة سياسية واجتماعية وميدانية، ليس بمقدور العبادي انكارها، مهما حاول التغطية عليها، بحلو كلامه المرسل، عن الاصلاح والمصالحة، وهو في كل يوم يطلق تصريحا أو يتخذ قرارا، يثبت فيه انه ما زال يفكر بعقلية حزب الدعوة ويخطط وفق خطابه المتشدد في رفض الآخر، سواء كان الاخر شيعيا مبدعا او سنيا كفوءا أو عراقيا عالما او مفكرا.

 

ما زال العبادي يتخندق في حلبة حزب الدعوة، ويتمسك بتعاليمه ووصاياه التي تستخف بالانسان العراقي ، وتحجم دوره وتصادر صوته، وتسعى الى تحويله الى لطام في مجالس العزاء ومواكبها التي باتت ظاهرة يومية في بغداد والمحافظات، لكثرة مناسباتها وازدياد عطلاتها، مع ما تكلفه من أموال تصرف من خزينة الدولة وجهود تبذل من الجهات العسكرية والامنية.

 

ولو كان الملا او الشيخ الوائلي مفكرا له ابحاثه القيمة، او عالما قدم للعراق خدمة، او رياضيا لامعا او فنانا بارزا، او بطلا في معركة عادلة، عسكرية او اجتماعية لهان الامر، فمثل هؤلاء يستحقون التكريم والتخليد، اما ان يكون قارئا في المنابر الحسينية، أي (رادودا) كما يسمى في اللهجة العراقية الدارجة، واكبر اختراعاته ان زوجتي الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان، رقية وام كلثوم، ليستا من صلب الرسول الاعظم محمد صلوات الله عليه وسلم، وانما ابنتي السيدة خديجة من زوجها الاول، دون ان يستند في روايته المدسوسة الى مصادر رصينة ، فان هذا التكريم او التخليد ينطوي على اسفاف وتهريج واساءة للقيم وتشويه للاسلام، وليس لـ(رجل دين يعد رمزا للاعتدال ولا يختلف على خطابه أحد) كما جاء في البيان المتهافت لوزارة الاتصالات ، التي تباهت انها عممت طابعه التذكاري وارسلته الى اربع مؤسسات دولية لاصدار الطوابع هي: سكوت الأمريكية وستانلي كيبنز الإنجليزية، وايفرت الفرنسية و ميشيل الألمانية، مؤكدة ان طابع الوائلي حظي بإقبال واسع من قبل هواة الطوابع في الداخل والخارج، للمعلومات وليس لشيء آخر، فان وزير الاتصالات هو حسن الراشد القيادي في مليشيا بدر.

 

وما أقدم عليه وزير الاتصالات في حكومة العبادي، بتخليد رادود كل كفاءته، ادخال الكآبة في قلوب البسطاء وتحريضهم على البكاء واللطم والنحيب، قابله زميله في الحكومة ورفيقه في مليشيا بدر، وزير الداخلية قاسم الاعرجي، بإجراء مماثل، عندما استدعى رادودا آخر يدعى ثائر الكناني، وكرمه وقلده رتبة عقيد (دمج) في سلك الشرطة، ولا تستغربوا ان صار لواء او فريقا بعد عام او عامين مثل قائد الشرطة الاتحادية رائد جودت الذي قفز خمس رتب في خمس سنوات واصبح فريقا، وهي رتبة لم يحصل عليها عبدالكريم قاسم وعبدالجبار شنشل وسلطان هاشم وعشرات مثلهم الا بعد ان أمضوا ثلاثين عاما على الاقل، في الخدمة العسكرية.  

 

هل كان أحد من العراقيين يعترض مثلا لو أصدرت وزارة الاتصالات (البدرية) نسبة الى مليشيا بدر، طوابع تخلد عالم الاجتماع على الوردي او استاذ اللغة والتاريخ وصاحب قاموس (قل ولا تقل) مصطفى جواد، او الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، او الشاعر الرقيق احمد الصافي النجفي، او عالم النحو مهدي المخزومي او رئيس المجمع العراقي الاسبق الشيخ محمد رضا الشبيبي، او الآثاري العبقري طه باقر صاحب ملحمة جلجامش، او حسين على محفوظ الذي يوصف بانه دائرة معارف سيارة، او الشاعر المجدد والمناضل التقدمي محمد بحر العلوم صاحب القصيدة الخالدة (اين حقي) او المفكر والباحث الموسوعي عزيز السيد جاسم، او استاذ النقد علي جواد الطاهر، او التربوي والشاعر والباحث عبدالرزاق محي الدين، او الفنانة التشكيلية الشهيدة ليلى العطار، وزميلتها الرائعة بهيجة الحكيم، او الموسيقار طالب القرةغولي او سلطان الطرب حضيري ابو عزيز ورفيقيه في الغناء الريفي داخل حسن وناصر حكيم، وجميعهم من اصول شيعية عريقة، ومثلهم مئات المبدعين ممن تركوا بصماتهم على العلم والثقافة والاداب والفنون، ولا نذكر السياسيين الذين كرسوا حياتهم لخدمة عراقهم وامتهم العربية، لاننا نعرف مسبقا كيف ينظر اليهم أهل السلطة والحكم وقادة الاحزاب والمرجعيات والمليشيات الشيعية؟

 

وهل كان أحد يعترض لو كرم وزير الداخلية شرطيا اكتشف جريمة راح ضحيتها انسان بريء، او رفع ضابطا القى القبض على قاتل طائفي او مجرم جنائي، بالتأكيد لا والف لا، ولكن ان يمنح رادودا لغته التلفيق وكيل المديح ونشر السخيف من الكلام، فهذا هو الجهالة والابتذال وعدم الشعور بالمسؤولية. 

 

من العبث تصديق ادعاءات العبادي بانه رئيس حكومة تسعى الى الاصلاح والتنوير والنهوض، ثم يوافق على تكريم المغمورين ويتناسى المبدعين، انها مأساة العراق عندما يصبح صاحب العمامة سيدا مبجلا، ويصير الرادود الذي يبكي الناس ويقص عليهم الخرافات مكرما، بينما صاحب العقل الراجح والاسم اللامع والاثر الخالد في طي النسيان.

 

انه زمن الصغار الذين كبرتهم طائفيتهم وصاروا رؤساء ووزراء وقادة وهم لا يفرقون بين العلماء والمبدعين، والجهلة المغمورين، وينطبق عليهم قول الجواهري الخالد:

مستأجرين يخربون ديارهم .. ويكافئون على الخراب رواتبا

 




التعليقات

إضافة تعليق

الاسم  
التعليق