26-أيلول-2017

الكيانات الانفصالية لا تصنع دولة مواطنة

 

 

أمين بن مسعود

كان سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي إيذانا ببداية عصر حقوق الأقليات الثقافية واللغوية، بعد عقود من تأصيل مدوّنة حقوق الإنسان الفرد وبعد قرون من تقعيد حقوق الدولة الوطنية بعنوان “القانون الدولي”.

 

لا تزال مدوّنة حقوق الأقليات تترّدد بقوّة في أوروبا (الباسك في فرنسا، الكاتالون في إسبانيا على سبيل المثال) وفي آسيا (الأقليات المسلمة في بورما) وليس انتهاء بالعراق حيث اختار الأكراد تنظيم استفتاء أحادي لتقرير مصيرهم الكامن في الانفصال عن الدولة المركزية في بغداد.

 

المفارقة في السياق التاريخي أن براديغم الأقليات نشأ مع “الدولة الأمة” وتجذر صلب منطقها الداخلي حيث أنه لا وجود لمفهوم الأقليات الدينية واللغوية والإثنية خارج إطار هويّة الدولة بمعناها الثقافي والتاريخي واللغويّ، إلا أنّ هذه التلازمية بين الدولة والأقليات تصبح في سياق تناقضي كلما استعرت عوامل “قومجة الأقليات” من الداخل والخارج، وكلّما صارت “الأقلية القومية” في ترادف تبايني مع “الدولة القومية”.

 

هنا يفترض بالجدل السياسي أن يعود إلى سياقه التاريخي والمعرفي الصحيح، نشأ مفهوم الأقليات والإثنيات كسعي للانتماء إلى الدولة الوطنية ليتحول من فضاء “اللغة والتاريخ المشترك” إلى إطار المواطنة الثقافية.

 

منطق الانفصال، يقوم على مقولتين متناقضتين، الأولى كامنة في فشل الدولة الوطنية في احتواء الأقليات والثانية وهي الردّ على الفشل متمثلة في الانشطار، وبالتالي خلق دولة ثانية لا على أساس الانفتاح وإنما استرداد الهوية المسلوبة وكأن الدولة تبنى على أساس الهويات المضطهدة.

 

    هناك فرص تاريخية كبرى لإقرار مبدأ التعددية الثقافية، بعد أن ظهر بالكاشف بأن الأحادية الإثنية والدينية لا تصنع دولة مواطنة ولا تؤمن الاستقرار الاجتماعي

 

في حين أنّ الأصل والمطلبية متجسّدة في إقرار الإصلاح الثقافي واللغوي والانفتاح الهوياتي والتاريخي، والأهمّ من كل ذلك إعادة تحديد مفهوم المواطنة في الدولة الوطنية.

 

ففي القضية العراقية، لا يجادل أحد في أن الأكراد عاشوا مرحلة من التهميش والتضييق خلال مرحلة صدام حسين وأنّ الأيديولوجيا الحاكمة حينها لم تسمح بكبير تعمّق في أبعاد المثاقفة والتعدّد الإثنيّ، ولكن لا أحد بإمكانه أن ينفي أن الأكراد كانوا جزءا مؤثرا في عملية إعادة تشكيل الدولة العراقية ما بعد الاحتلال الأميركي، وأنهم أصّلوا لمفهوم الشراكة والتقاسم والغنائمية السياسية للسلطات والصلاحيات والثروات في العراق.

 

صحيح أن الاحتلال لم يسمح بتواصل الدولة الوطنية العراقية، ولكن الأصح أيضا أن الأكراد تعاملوا مع الوضع الجديد من بوابة الغنيمة ولم يقبلوا بالبقاء ضمن الحدود الفيدرالية للدولة العراقية إلا في سياق نصف انفصال إداري وشبه استقلال في مستوى إبرام عقود النفط والعلاقات الدولية وتقرير السيادة التنفيذية.

 

هناك فرص تاريخية كبرى لإقرار مبدأ التعددية الثقافية في العالم العربي، بعد أن ظهر بالكاشف بأن الأحادية الإثنية والدينية لا تصنع دولة مواطنة ولا تؤمّن الاستقرار الاجتماعي.

 

انفصلت باكستان عن الهند لتكوّن دولة إسلامية فكانت النتيجة دولة فاشلة في كافة المستويات، وانفصل جنوب السودان عن السودان لإنشاء دولة مسيحية فكان المآل كيانا هجينا لسلطة الميليشيات.

 

واليوم ودون قراءة لشواهد التاريخ يريد أكراد العراق تأسيس دولة كردية إثنية، على الرغم ان البون حلي بين الحكم الفيدرالي الذي يسمح بصلاحيات واسعة ضمن الدولة الوطنية والاستقلال التامّ عن العاصمة المركزية، سيما عندما يكون مبنيا على مقدّمات التناقض مع المحيط القريب والبعيد.

 

فاتورة “الإصلاح” العميق للدولة العراقية حيث التنازل المتبادل بين كافة المكوّنات والشرائح ستكون أقل حدّة على الأكراد والعراقيين من فاتورة انفصال وانشطار لا يصنع دولة ولا يعيد الأمور إلى مربعها الأول الكامن في الحكم الفيدرالي.

 

على الفاعلين ضمن الفضاء العربي، عدم التعويل كثيرا على لغة التهديد والتهويل التي تبديها بعض العواصم الإقليمية رفضا لانفصال كردستان العراق ذلك أن الارتهان على العوامل الإقليمية والدولية لمواجهة استحقاقات الداخل يجعل من العواصم العربية أكثر ارتهانا للفاعل الخارجيّ.

 

ولكن من الصواب مواجهة الاستحقاقات الثقافية والحضارية واللغوية في أكثر من دولة عربية وعلى وجه الخصوص في منطقة المغرب العربي حيث ينتظر الأمازيغ نموذج كردستان الكبرى لسحبه على “تمازغا”… بمنظومة حقوقية وثقافية ومدنية تؤصل معنى الوحدة في الوطن والوطن الواحد.  




التعليقات

إضافة تعليق

الاسم  
التعليق