29-تشرين الأول-2017
مؤتمر الجلبي (الوطني) مات ولا يحييه آراسها وبدرانها وادريسها
بغداد ـ العباسية نيوز
في قاعة جميلة بنادي الصيد البغدادي الذي استخدمه احمد الجلبي (تجوز عليه الرحمة لانه ميت، وعكسها ايضا لاسباب لا تعد ولا تحصى) غرفة عمليات لاغتيال الكفاءات العراقية ومستودعا لخزن المسروقات من اموال نقدية وتحف نادرة وآثار تاريخية، عقد حزب المؤتمر الوطني بنسخته الجديدة مؤتمره الاول بعد حصوله على الترخيص الرسمي من مفوضية الانتخابات.
ويقود المؤتمر الوطني الذي مات وشبع موتا منذ احتلال العراق، بعد ان استنفذ اغراضه، كدكان بارت بضاعته وكسدت سلعته، وتحول رئيسه الجلبي الى عضو في مجلس الحكم (المنقرض) ونائبا لابراهيم الجعفري اثتاء رئاسته لحكومة وصفت بانها انتقالية، آراس حبيب محمد كريم، وهو أحد مرافقي الجلبي السابقين ورئيس دائرة مخابراته، وذراعه في متابعة عملياته التي توزعت بين الاستيلاء على البيوت والبنوك والنوادي الاجتماعية، وكانت له صولات وجولات سجلها محفوظ ووقائعها موثقة، واكبر شاهد عليها انتفاض قنبر وكثير من العاملين السابقين في المؤتمر.
وآراس درس واقام في بغداد عقب عودة ابيه حبيب من ايران عام 1977 بعد ان أمضى عامين في طهران لاجئا برفقة الملا مصطفى البارزاني الذي كان في ضيافة الشاه محمد بهلوي مع اسرته واولاده وقيادات حزبه، عقب انهيار تمرده في نهاية آذار 1975 اثر توقيع اتفاقية الجزائر في مطلع الشهر نفسه بين نائب الرئيس العراقي صدام حسين وشاه ايران، بوساطة الرئيس الجزائري الراحل هواري بو مدين ووزير خارجيته وقتئذ عبدالعزيز بو تفليقة.
وقصة عودة حبيب محمد كريم السكرتير العام للحزب الديمقراطي الكردي لاكثر من عشر سنوات (1964 ـ 1975) فيها ملابسات ومفارقات، عكست طبيعة الحزب العشائرية ودكتاتورية رئيسه وتسلط اولاده على مقدراته، ولم يكن حبيب واحد من ضحاياه وانما شاركه في الاقصاء والاهمال الدكتور محمود عثمان الذي رفض العودة الى الحزب رغم اغراءات مسعود بارزاني، على عكس سامي عبدالرحمن الذي عاد نادما في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وحبيب الذي عاد متعاونا في عام 1991 بعد ان طلبه مسعود بالاسم من صدام حسين في آخر زيارة علنية له للعاصمة في نهاية ذلك العام، لكتابة تاريخ الحزب وتوثيق مساراته وهو ما حصل بالفعل وانجز سلسلة كتب صدرت جميعها باسم مسعود.
ومن ذلك التاريخ لم يعد حبيب الى بغداد، وهو كان متقاعدا من آخر منصب له (مفتش عام ضريبة الدخل) وتخلى عن محطة وقود (أبو اقلام) في الكرادة الشرقية التي منحها له صدام حسين تكريما له ومساعدته لزيادة ايراداته المالية، في حين انصرف ابنه آراس لمرافقة الجلبي الذي كان في ذلك الوقت يبحث عن موطأ قدم لمؤتمره العتيد في شمال العراق، ويقال بهذا الصدد ان حبيب نصح ولده بالابتعاد عن الحزب الديمقراطي الكردي، حتى لا يلقى مثل ما لاقاه من آل البارزاني طيلة سنوات عمله معهم، ولم يسجل على حبيب انه انخرط في نشاط معارض للنظام السابق واعتزل الحياة السياسية مقيما في لندن ومن ثم بيروت التي توفي فيها بهدوء قبل عامين.
وقد تعرض آراس الى ملاحقة قوات الاحتلال الامريكي خلال حكومة اياد علاوي المؤقتة بعد ان كشفت المخابرات الامريكية (شفرة) اتصالات رئيسه الجلبي السرية مع ايران، ودوهم منزله (القصر الصيني) في شارع الاميرات بحي المنصور، وتمكن الجلبي من تسوية اموره مع الامريكان بوساطة المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني، غير ان مرافقه آراس ظل مطاردا ولجأ الى ايران واقام في قم بعيدا عن الانظار، الى ان عاد الى بغداد في عام 2009 مديرا لمكتب الجلبي الذي اصبح عضوا في مجلس النواب، وهو منذ سنوات قليلة يدير بنكا محليا تعتقد اوساط مصرفية عراقية بانه شركة مالية وتجارية يشترك آراس وورثة احمد الجلبي وجهات ايرانية في رأسمالها.
والمفارقة في تشكيلة المؤتمر الوطني بنسخته الجديدة انها تضم ثلاثة قياديين، لم يكونوا جزء منه في نسخته القديمة ضمهم آراس لاعتبارات غير معروفة، أولهم نوري البدران عضو المكتب السياسي السابق لحركة الوفاق وزوج شقيقة رئيسها اياد علاوي، واول وزير للداخلية في الحكومة التي شكلها الحاكم الامريكي بول برايمر.
والبدران المولود في القرنة جنوب العراق، والموظف السابق في وزارة العمل قبل ان يتوسط له آل علاوي بعد مصاهرته لهم لدى وزير الخارجية الاسبق عبدالكريم الشيخلي وينقله الى ديوان الوزارة، كان دبلوماسيا نشطا وعمل في كثير من العواصم العربية والاوربية والاسيوية آخرها كان مستشار السفارة العراقية في موسكو حتى عام 1991 حيث ورطه نسيبه اياد علاوي واقنعه بالتخلي عن وظيفته الدبلوماسية المرموقة واستقدمه الى السعودية التي كانت تدعم حركة الوفاق سياسيا وماليا قبل تشظيها الى جناحين قاد الاول صلاح عمر العلي واصطف معه الكاتب والباحث جليل العطية، والقيادي البعثي السابق اسماعيل القادري، وتزعم الثاني اياد علاوي ومعه تحسين معلة وصلاح الشيخلي.
وقد تفجرت فضيحة مالية في نهاية عام 2003 عندما اتهم البدران بها خلال تسلمه وزارة الداخلية، حيث اعلنت الحكومة اللبنانية بانها ضبطت طائرة خاصة في مطار بيروت قادمة من بغداد وهي تحمل ملايين الدنانير العراقية، ودارت مراسلات بين وزارتي الداخلية في البلدين، ثم اسدل الستار عليها بضغوط امريكية، ولاحقا اعترف البدران بعد اقالته من الوزارة ان تلك الاموال المهربة تعود الى علاوي الذي كان يستعد لانشاء مصرف خاص به وباسرته في العاصمة اللبنانية، عرف في ما بعد باسم (بنك عبر العراق) نافيا في الوقت نفسه ان تكون له حصة منها.
ولم يعرف عن البدران، انشغاله بالعمل السياسي رغم خلفيته القومية عندما كان موظفا في وزارة العمل، وبعثيته عندما نقل الى وزارة الخارجية، وحتى وفاقيته كانت خافتة لما كان في حركة علاوي التي غادرها منصرفا الى التجارة بين الامارات والعراق، والاعتقاد السائد ان آراس استعان به في حزبه الجديد استنادا الى علاقة قديمة جمعت بين الاثنين في ايام لندن، حيث كان آراس بمعية احمد الجلبي ونوري مع اياد علاوي.
اما هاني ادريس القيادي الثالث في تشكيلة المؤتمر الوطني الجديدة بعد آراس والبدران، فقصته قصة.. فهذا الرجل صاحب تاريخ حافل في التقلبات السياسية بدأها عندما كان طالبا في جامعة بغداد وعضوا نشيطا في حركة القوميين العرب وكادرا في الحركة الاشتراكية العربية، ثم اتجه يسارا وشارك في زفة عبدالاله النصراوي الماركسية الى جانب نوري المرسومي وعوني قلمجي وجواد الدوش ومحمد حسين رؤوف، وانشقاق المجموعة عن الحركة الام بتحريض من نايف حواتمة ومحسن ابراهيم ومحمد كشلي، وتعاونها مع حزب البعث الحاكم خلال الفترة من 1968 حتى عام 1970 عندما استدار على افرادها واحدا تلو الاخر ناظم كزار وزجهم في قصر النهاية، فمنهم من اعترف وانتمى الى الحزب القائد، ومنهم من هرب الى سوريا بعد الافراج عنه، ومنهم من اعتزل ومشى جنب الحيط، وهاني ادريس من الفئة الاخيرة.
وعقب احداث الكويت 1991، تدارس عدد من الحركيين القدامى وفي مقدمتهم المرحوم عبدالرزاق الاسدي وعبدالحسين الربيعي ومحمد حسين رؤوف وحسام الصفار وعلي حسين وصباح عداي إمكانية إنعاش الحركة الاشتراكية العربية في العراق بعد ان استحوذ على اسمها عبدالاله النصراوي وهو في بيروت وراح يتاجر بها مع السوريين والشيوعيين والاكراد، فالتحق هاني بهم وكا ن يشاهد كثيرا في مكتب عبدالرزاق الاسدي في عمارة المطعم التركي بالباب الشرقي، غير ان الشكوك ظلت تحوم حول اتصالاته مع النصراوي، الى ان انكشف المستور واعتقل الاسدي عام 1999 مع عدد من رفاقه، وهرب هاني الى السليمانية في ضيافة جلال طالباني الذي حوله تخلصا من نفقاته ـ كما نقل عنه ـ الى ملاك اياد علاوي، كما فعل مع المرحوم صباح سلمان السكرتير الصحفي السابق لصدام حسين الذي فر اليه وضيفه اياما معدودات في شقلاوة ثم دفعه الى مؤتمر الجلبي.
وعقب الاحتلال اهتم علاوي بهاني ادريس كثيرا بعد ان تخلى عن رفاقه السابقين، صلاح الشيخلي وتحسين معلة وسليم شاكر الامامي وضرغام كاظم، واعتمد على هاني الذي عينه مندوبا مناوبا عنه في مجلس الحكم الانتقالي، مما اثار حفيظة نوري البدران وعماد شبيب اللذين كانا ابرز مساعدي اياد وقتئذ في بغداد.
ولان هاني ادريس مزاجي الطبع وانشقاقي الطبيعة فقد ودع اياد علاوي باللعنات وراح يبحث عن حاضنة جديدة، يبدو انه وجدها عند آراس حبيب الذي يبحث هو الاخر عن وجوه جديدة غير تلك المحترقة في المؤتمر الوطني دون ان يدرك لحداثته في احتراف العمل السياسي، ان هاني محترق سياسيا منذ اكثر من اربعين سنة.
وفي ما يتعلق بآخر الفرسان الثلاثة في نسخة المؤتمر الوطني الجديدة، الاعلامي ابراهيم الصميدعي، فان احباطه من (الكرابلة) بعد ان صار قياديا في حزبهم (الحل) هو الذي دفعه للعمل في مؤتمر آراس، خصوصا وانه عانى سابقا من تجربة مريرة مع جواد البولاني الذي كان يتطلع ان يكون رئيسا للوزراء في انتخابات 2010 ولكنه هزم فيها شر هزيمة.
واذا كانت التوقعات تشير الى ان نوري البدران وهاني ادريس، سيظلان مع أراس في مشروعه السياسي بعد ان سدت في وجيهما ابواب اياد علاوي، وباتا فائضين عن الحاجة، فان الصميدعي مشكوك في استمراره، لان من الصعب استيعاب ابراهيم القلق فكريا والمضطرب سياسيا في حزب ما زال يحبو والطريق امامه شائك وطويل، خاصة وان الصميدعي ليس من النوع الذي يمكن تقييده بتعليمات وضوابط حزبية محددة، فهو في كل يوم له لحن جديد، ويتنقل في (مقاماته) السياسية دون التزام بجواب أو قرار، ومنصة المؤتمر الوطني في حلته الجديدة تريد مطيعين لا مشاكسين، كما كانت في ايام الجلبي الذي مات وموت حزبه معه.